تواضع تكن قائداً.. ولكن!
- المجموعة: مقالات
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 13 حزيران/يونيو 2019 14:54
- تاريخ النشر
- كتب بواسطة: مدير الموقع
- الزيارات: 1027
د.عبدالعزيز القدسي
تفاجأت بعد جهودٍ وأعمالٍ أتممتها لأيامٍ أن اسمي لم يكن ضمنَ قرارِ تشكيلِ اللجنةِ المختصةِ بإعدادِ وتنفيذِ فعالياتِ أحدِ المؤتمراتِ في جامعتي، وكانت اللجنةُ تضمُ في غالبيتها أعضاءً في درجاتٍ إداريةٍ عليا وكنتُ لا أزال في مستوىً إداري متوسط؛ وتكوّن لدي انطباعٌ أن هذا الأمرَ كان سبباً لاستبعادي، ولم يكن مني إلا أن تقدمتُ بشكوى لرئيسِ الجامعة الذي قابلتُ ه في مكتبهِ وأوضحت له تفاصيلَ مجهوداتي والمهامِ التي نفذتها، كانَ رحبَ الصدرِ وأبدى أسفَه ووعدني بإصدارِ قرارٍ لشخصي فقط، إلحاقًا بأعضاءِ اللجنة، وهو الأمر الذي لا يتمُ في العادة.. في اليوم التالي كانت نسخةُ من قرارِ رئيسِ الجامعة على مكتبي وشعرت بالامتنان لطيبِ أخلاقه ولطفِ تعامله، لقد كان في غايةِ التواضعِ والاعترافِ بجهودي، ومازلت إلى يومَنا هذا لا أنسى هذا الموقف ومواقفَ أخرى تحكي تواضَعه.
د.عبدالعزيز القدسي
تفاجأت بعد جهودٍ وأعمالٍ أتممتها لأيامٍ أن اسمي لم يكن ضمنَ قرارِ تشكيلِ اللجنةِ المختصةِ بإعدادِ وتنفيذِ فعالياتِ أحدِ المؤتمراتِ في جامعتي، وكانت اللجنةُ تضمُ في غالبيتها أعضاءً في درجاتٍ إداريةٍ عليا وكنتُ لا أزال في مستوىً إداري متوسط؛ وتكوّن لدي انطباعٌ أن هذا الأمرَ كان سبباً لاستبعادي، ولم يكن مني إلا أن تقدمتُ بشكوى لرئيسِ الجامعة الذي قابلتُ ه في مكتبهِ وأوضحت له تفاصيلَ مجهوداتي والمهامِ التي نفذتها، كانَ رحبَ الصدرِ وأبدى أسفَه ووعدني بإصدارِ قرارٍ لشخصي فقط، إلحاقًا بأعضاءِ اللجنة، وهو الأمر الذي لا يتمُ في العادة.. في اليوم التالي كانت نسخةُ من قرارِ رئيسِ الجامعة على مكتبي وشعرت بالامتنان لطيبِ أخلاقه ولطفِ تعامله، لقد كان في غايةِ التواضعِ والاعترافِ بجهودي، ومازلت إلى يومَنا هذا لا أنسى هذا الموقف ومواقفَ أخرى تحكي تواضَعه.
الإدارة بالأخلاق
تحتفلُ الأديباتُ الدينيةُ والفلسفية بالتواضعِ كخلقٍ رفيعٍ وحميد، إلا أنه لم يهتمَ به في مجال الأعمالِ إلا في السنواتِ الأخيرة من خلالِ دراساتِ وكتاباتِ المتخصصين والمهتمين، حيثُ أصبحَ الحديثُ عن أهمية تواضعِ القادة وأخلاقياتهم ولينِهم مع الموظفين موضوعًا شائعًا، وتنامت الدراساتٌ التي تحثُ على تواضعِ القادة واحتياجِ المنظمات له كنمطٍ قيادي يجب أن يتحلى به القادة، وأكدت على أثاره الإيجابية في المخرجات والنواتج التنظيمية.
ويمكنُ للمتتبعِ استنتاجَ أن تنامي الاهتمام بنمط القيادة المتواضعة يأتي ضمن تيارٍ يمكن أن نسميه التيار الأخلاقي في الإدارة، حيث يدعو هذا التيار إلى التأسِّي بالقيم السامية والأخلاق الفاضلة ووجوبِ أن تسودَ وتجسدَ في سلوكياتِ الأفرادِ في المنظمات، وعلى وجه الخصوص قادةِ ومديري المنظمات، حيث ينادي هذا التيارُ بالاهتمام بأنماط اخلاقية وإنسانية في قيادة المنظمات، ومن ذلك ما بات يعرّف بـ: القيادةِ الاصيلة والقيادةِ الخادمة والقيادةِ الأخلاقية، وجميعُها موضوعاتٌ ازدادَ متبنوُها ومؤيدوُها من كّتاب وباحثين في بيئةِ البحثِ الإداريةِ خلالَ العقدين الماضيين.
لكن هذا الأمر ليس جديداً في علم الإدارة حيث أن له جذوره التاريخية، فالتعاطي الإنساني مع المرؤوسين (عمّال وموظفين) هو توجه رَسخَ علمياً مع ظهور مدرسة العلاقات الإنسانة - مطلع ثلاثينيات القرن الماضي- والتي تحيزت للعنصر البشري واهتمت به كمخلوق (كائن) تؤثر العوامل الإنسانية والاجتماعية في انتاجيته وكفاءته، على عكس النظريات الكلاسيكية التي سبقتها (نظرية البيروقراطية، ونظرية الادارة العلمية، ونظرية العملية الادارية) والتي ركزت على العمل من أساليب وطرق وهياكل وأهملت العامل.
ما القيادة المتواضعة؟
يمكن إجمالُ التعريفاتِ التي تناولت القيادةَ المتواضعةَ في أنها: القيادةُ التي تقدرُ المرؤوسين وتمنحهم الاحترامَ والتقديرَ والعرفانَ الواجبَ لهم، وتعترفُ بمساهماتِهم وتميّزِهم ونقاطِ قوتِهم، كما أنها تُظهر استعدادَها للتعلمِ والاعتراف بالخطأ وتصحيحِه، والاستفادةَ من خبرة الآخرين، وتسعى لتوفير التوجيه والدعم والتطوير اللازم للمرؤوسين وتمكينهم والتعاطف معهم.
وفي كتابهما المعنون بـ القيادة المتواضعة Humble Leadership والذي كان على قائمة الكتب الاكثر مبيعاً عام 2018 – بحسب موقع Strategy Business - تدور أفكارُ الكتاب لكل من إدجار وبيتر شاين Edgar Schein & Peter Schein حول نمطِ القيادة المتواضعةِ المعتمدةِ على قوةِ العلاقاتِ والانفتاحِ والثقةِ بالمرؤوسين، حيث يريانِ أن أيامَ القيادة التسلطية التي تحكمها الأنانية والغُرور يجبُ أن تُولي إلى غير رجعة، وأن عالم الأعمال اليوم يحتاج إلى قيادة قائمة على العلاقات الانسانية والشخصية. ويستعرضان أربعة مستويات تحكم طبيعة العلاقة بين القادة والمرؤوسين (الأتباع) وفقا لمنهجية القيادة المتواضعة، وهي على النحو الآتي:
- المستوى السلبي: وفيه تتخذ القيادة نمطاً تسلطياً، حيث يسيطر القادة على مجريات الأمور سيطرة كاملة.
- المستوى الأول: ويعتمد على نمط القيادة التعاملية أو التبادلية، حيث يُعطى الموظفون شيئًا مقابل امتثالهم وقبولِهم للسُلطة، وعادةً ما يكون ذلك في شكلِ حوافزَ مثلَ زيادةِ الأجورِ أو زيادةِ المرتبات، وتتحكم في هذا المستوى نمط العلاقات التقليدية والتفاعلات والقواعد الروتينية بين القائد والمرؤوس، وتكون العلاقات الانسانية في هذا المستوى في مستوياتها الدنيا.
- المستوى الثاني: وفي هذا المستوى يبرزُ نمطُ العلاقاتِ التعاونيةِ الانسانيةِ والشخصية، والثقةُ المتبادلة كما هو الحال في الصداقات وفي فرق فعالة.
- المستوى الثالث: وفيه يسودُ الالتزام والاحتواء العاطفي والانساني الكلي طبيعة العلاقة بين القادة والمرؤوسين.
ويشجع الكاتبان إدجار وبيترEdgar & Peter من خلال أفكارهما الواردة في الكتاب القادة والمديرين بالانتقال من نمط القيادة في المستوى الأول (مناهج المعاملات التقليدية) إلى نمط القيادة في المستوى الثاني (القائم على العلاقات الشخصية والانسانية)، وكذا الانتقال إلى نمط القيادة في المستوى الثالث في بعض الحالات وبيئات العمل التي تحتاج ذلك.
التواضع ونجاح المنظمة
يقول آدم روبنسون Adam Robinson مؤلف كتاب: أفضل فريق يفوز : بناء شركتك/أعمالك من خلال التوظيف التنبؤي The Best Team Wins: Build Your Business Through Predictive Hiring أن المنظمات أصبحت تبحثُ الآنَ عن قادةِ متواضعين أكثرَ من أي وقتٍ مضى، لقد وجدت الدراساتُ الحديثة أن القيادةَ بالتواضع يمكن أن تؤدي إلى تعزيز العمل الجماعي، وزيادةِ مشاركة الموظفين، وانخفاض معدلِ دورانِهم ، والتعلمِ والتحسين المستمر؛ لذلك لابد على المنظمات أن تراعي ذلك عند اختيار قادة المستقبل ومن ذلك أن تأخذِ بعين الاعتبار عند التوظيف اختبار وقياس صفات التواضع من خلال اختبارات الشخصية أو استطلاعات الرأي أو أسئلة المقابلة التي قد تتضمن أسئلةً مثل: هل تقدرُ ملاحظاتِ زملائك في العمل؟ هل تعتقد أنك كقائد لديك الحق بالتقدير أكثر من بقية فريقك؟
كما كشفت دراسة استقصائية لكل من والدمان وبيترسون Waldman & Peterson (2015) شملت (105) شركة متخصصة في برمجيات وأجهزة الحاسوب منشورة في مجلة الإدارة Journal of Management أن تواضع الرؤساء التنفيذيين أدى إلى تفوق في أداء الفرق القيادية، وزيادة المشاركة والتعاون والمرونة عند وضع وتطوير الاستراتيجيات. وعلى المستوى الأفراد يسهم نمط القيادة بالتواضع في زيادة رضا الموظفين، وتوسيع مشاركتهم وتمكينهم واندماجهم في العمل، كما أن له أثر في رفع مستوى الإبداع والابتكار لدى الأفراد، وتقليل دوران العمل.
التواضع القوي
على الرغم من النظرة الغالبة بين الباحثين والكتّاب على ضرورةِ تبني المنظماتِ نمطَ القيادةِ المتواضعةِ إلا أن هناكِ رأياً مضاداً يقللُ من أهميةِ التواضع في العمل ويرى أنه قد يرتبط بمشاعرِ عدمِ الجدارة وقلةِ احترام الذات، ويؤكد على أن بعضَ المرؤوسين قد يُدركون تواضعَ القادة والمديرين على أنه نوعٌ من التراخي والضعف وتحديداً الأفرادَ الذين يتوقعون الجدّية أوالتفضيل والتمييز.
ونرى هنا أن هذا الرأي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار وعلى وجه الخصوص في السياقات والبيئات والمواقف التنظيمية التي تحتاج إلى استخدام الأنظمة واللوائح الصارمة، وكذا عند التعامل مع أفراد ذوي خلفيات ثقافية تجعلهم يُفضلون أن يكون القادة أكثر قوة، وترى أن تواضعهم يعد ضعفاُ في شخصيتهم.
لذلك ننصح - وفقاً للنظرية الموقفية ونظرية القوة- باتباع نمط القائد المتواضع القوي، فهناك مساحة فُضلى ووسطى بين التواضع والقوة، حيث بإمكان القادة المديرين أن يتحركوا فيها بحسب المعطيات والمواقف التنظيمية، ففي بيئة العمل التي يتوقع أفرادها المساواة والعدالة، وتتسم بضغوط عمل مرتفعة، وحساسية إبداعية وابتكارية لأفرادها، يفضل أن يكون القادة المديرون أكثر تواضعاً وتعاملاً عاطفياً، وأن يجنحوا إلى استخدام قوة التواضع والشخصية الأخلاقية والعاطفية في التأثير على سلوكيات الأفراد، كما أنهم حين يلزم الأمر لا يترددون في ممارسة سلطة القانون واللوائح من ترهيب وترغيب مع الأفراد الذين لديهم ميول مرتفعة للحصول على القوة والتعامل بها.
خلاصة القول إن تواضع القائد الإداري أمرٌ لا بد منه حيث يؤثر إيجابياً في سلوكيات الأفراد المرؤوسين، ويشير إلى مسـتوى عالٍ من الثقة والألفة وأخلاقيات العمل. وفي حكمته الشهيرة يقول الفيلسوف الصيني لاو تزو: "إذا كنت تريد أن تحكم الناس فيجب أن تضع نفسك تحت تصرفهم وتخفض جناحك لهم، وإذا كنت تريد أن تقود الناس فيجب أن تتعلم كيف تتبعهم"، وقد علّم الرسول محمد (ص) أتباعه أن ما تواضع أحد إلا رُفع قده، وما كان اللين والرفق في شيء إلا زانه.
________________________________________
حقوق الفكر والنشر محفوظة، لا يسمح بالنسخ والنقل دون إذن. يمكن مشاركة المحتوى مباشرةً من الصفحات والحسابات الخاصة بالمؤلف.
________________________________________
تعليقات
- لاتعليقات حتى اللحظة
كلمات ملهمة
بودكاست إدارة بوست
المتواجدون حالياً
84 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
كـلـمـات
في رحلة حياتك ثلاثة أصدقاء لا يمكنك الاستغناء عنهم:
الوعي والإيمان والحب، أهمهم هو الحب.. احذر أن تفارقه لحظةً واحدة.
شارك بتعليق - رأيك بالمقال