بيئة العمل الجاحدة.. النظر بعين واحدة
- المجموعة: مقالات
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 19 كانون2/يناير 2022 17:34
- تاريخ النشر
- كتب بواسطة: مدير الموقع
- الزيارات: 271
يُخطئ القادة والمديرون حين ينظرون - بعين واحدة- إلى الموظف على أنه مجرد ترس في آلة، أو رقم في استمارات التقييم الدورية، أو نقطة في منحنى المخرجات والإنتاج، متجاهلين - في غفلة انشغالهم- النظر إلى أن الموظف على أنه كيان من المشاعر والعواطف والاعتبارات الإنسانية والاجتماعية، التي هي الوقود الُمشعل والمحرك لسلوكه نحو البذل والتفاني في عمله، وأن هذا الجانب هو الأكثر تأثيرًا في كفاءة وفاعلية الأفراد ومستوى إنتاجيتهم.
يُخطئ القادة والمديرون حين ينظرون - بعين واحدة- إلى الموظف على أنه مجرد ترس في آلة، أو رقم في استمارات التقييم الدورية، أو نقطة في منحنى المخرجات والإنتاج، متجاهلين - في غفلة انشغالهم- النظر إلى أن الموظف على أنه كيان من المشاعر والعواطف والاعتبارات الإنسانية والاجتماعية، التي هي الوقود الُمشعل والمحرك لسلوكه نحو البذل والتفاني في عمله، وأن هذا الجانب هو الأكثر تأثيرًا في كفاءة وفاعلية الأفراد ومستوى إنتاجيتهم.
تتعدد الأسباب التي تخلق بيئات العمل المحبطة وغير الإيجابية، ومنها ما قد لا يتنبه لها القادة والمديرون ولا يُلقوا له بالاً، ألا وهو تفشي الجحود التنظيمي (ثقافةً وسلوكًا). حيث يعبر الجحود والنكران التنظيمي عن افتقار بيئة العمل لإظهار وإبداء مشاعر وسلوكيات التقدير والامتنان والشكر والاعتراف بالجميل بين الأفراد (قادةً ومرؤوسين)، سواء على مستوى العلاقة التنظيمية الرسمية التي تعكسها المواقف والممارسات الوظيفية، أو على مستوى العلاقة الشخصية بين الأفراد كزملاء.
إن تصيد الأفراد في مواطن النجاح ومواقف الصواب والعطاء المبذول، والثناء عليهم وشكرهم هو سمة القادة الأذكياء، من يتمتعون بمستويات عالية من الذكاء العاطفي والاجتماعي، القادرين على بناء جسور التعاطف والثقة والتواصل الفعال بينهم ومرؤوسيهم، بل إن المتوقع منهم أن يتعدوا مواقف الامتنان الناتجة عن أداء المهام الوظيفية إلى سبر أغوار النواحي غير المرئية في علاقتهم بالأفراد، وتحري مواقف التعاطف وإبداء الثناء في مناسباتهم أو مهاراتهم أو اهتماماتهم الشخصية.
الامتنان كقوة للأفراد والمنظمات
يقول جل ثناؤه: "لئن شكرتم لأزيدنكم".. تؤكد هذه الآية الكريمة على حقيقة أن شعور الامتنان وتجسيده بصور الشكر المختلفة يعد من الفضائل والقيم الواجبة على الإنسان، وأنها ترتبط بالزيادة والنماء والخير العائد عليه. في هذا السياق يؤكد علماء النفس على أن استشعار المرء بالنعم والاعتراف بفضل الآخرين وشكرهم وإبداء مشاعر الامتنان والثناء لهم تجعل حياة الفرد (المبادر بالشكر والمتلقي له) أكثر إيجابية وتشعره بالسعادة الغامرة والهناء والتسامح والمحبة، والإقبال على العطاء والبذل.. يقول الشاعر:
الشُّكر أفضل ما حاولت ملتمسًا به الزيادة عند الله والناس
على المستوى التنظيمي الجماعي يساعد الامتنان في القضاء على المشاعر السلبية المثبطة للإنتاجية في بيئة العمل مثل: الحسد والغضب والغيرة والكِبر والطمع. بالإضافة إلى مردوده الإيجابي على الصحة النفسية/ العاطفية، والجسدية للموظفين حيث يقلل من الأضرار والمضاعفات النفسية والعصبية التي قد تثار في بيئات العمل جامدة المشاعر، المتفشى فيها النكران والجحود. كما يرتبط الامتنان إيجابيًا بزيادة مستوى رضا وسعادة الموظف والتزامه وولائه للعمل خاصة في الأوقات العصيبة التي قد تمر بها المنظمة وتفضيل الموظف الاحتفاظ بوظيفته في حال توافر بديل آخر، كما أنه يقوي الروابط بين الأفراد ويُعلي من مستويات الاتصال الفعال والتعلم الجماعي والتعاون بينهم.
ما الذي يجعل بيئات العمل جاحدة؟
أكد استطلاع أجري عن مستويات الامتنان أن 60% من الأمريكيين لا يعبرون عن امتنانهم في العمل أو يفعلون ذلك مرة واحدة في العام فقط. ما يشير إلى أن ثقافة العمل في الولايات المتحدة تميل إلى قمع الامتنان أثناء العمل ((Smith, 2013. فما الذي ينشر مشاعر الجحود وسلوكياته في بيئات الأعمال؟
يمكننا هنا استعراض عدد من العوامل المساهمة في ذلك، ومنها: التحيز الذاتي حيث يميل الأفراد في العادة للإعجاب بأنفسهم وما يفعلونه وتضخيمه في مقابل استصغار ما يفعله الآخرون والتقليل من شأنه. وكذا تنامي مشاعر الغيرة والحسد وما يتبعهما من سلوكيات سلبية وعلى وجه الخصوص الأفراد في مستويات وفئات وظيفية متساوية وفرق العمل الواحدة، حيث ترتفع فيها مشاعر الغيرة وقد تصل إلى الحسد؛ فالحسد وليد التقارب بين الأفراد ومقارنة أنفسهم بالآخرين!
ومن العوامل الأخرى تركيز بعض الأفراد على إبداء مشاعر الامتنان الزائفة وتحديدًا من المرؤوسين إلى رؤسائهم بهدف التملق والمحاباة، وفي المقابل اعتقاد الرؤساء أن المرؤوسين يقدمون الثناء للحصول على مزايا، أو اعتقاد بعض الأفراد أن التعبير عن الامتنان قد يدفع زملاء العمل للاستفادة من ذلك أو استغلاله. بالإضافة إلى ذلك فإن شعور الأفراد بعدم العدالة، وعدم الرضا عن وضعهم الوظيفي معنويا وماديًا يؤدي إلى انسحابهم نفسيا وجعلهم أقل ثقة في رؤسائهم وأكثر نكرانًا للآخرين.
وقبل هذه العوامل فإن هناك عاملًا أساسيًا هو عدم تبني قادة منظمات الأعمال لثقافة الامتنان والثناء كقيمة موجه وسياسة ملزمة وعكسها في هيئة مبادرات وممارسات وإجراءات إدارية، وتقديم الدعم لتطبيقها والتأسي بها سلوكًا قبل الأفراد الآخرين. إن هذا العوامل السابقة الذكر تتسبب في جعل بيئة العمل (أفرادًا وجماعات) أكثر تحفظا وتراجعًا في التعبير عن مشاعر الثناء والاعتراف بالفضل وشكر ما يقدمه الآخرون.
ممارسات تعزز من ثقافة الامتنان في بيئة العمل
للتعبير عن الامتنان يمكن إرساء عدد من الممارسات الإدارية وعبر وسائل عديدة ومتنوعة، وتمييزها جميعا بين اللفظية وغير اللفظية. ومن المفترض كما ذكرنا أن تتطلق جميع المبادرات والممارسات من توجه استراتيجي للمنظمة يسعى لنشر ثقافة داعمة لتوطين مشاعر الشكر والثناء، وترسيخ قيم الامتنان والتعاطف والتواضع والتسامح والتواصل والتآزر. وترجمتها في خطط ومبادرات وأنشطة، على أن تتولى مسئوليتها إدارة الموارد البشرية وبإشراف مباشر من قادة المنظمات.
ومن الوسائل والأفكار التي يمكن اتباعها في ذلك:
- الامتنان والتقدير اللفظي والتعبير عن ذلك بالأشكال والصيغ المختلفة، ويتضمن كلمات الشكر والتقدير.
- الامتنان والتقدير المادي ويتضمن تقديم أشياء مادية ملموسة كالمكافآت والحوافز والهدايا أو منح إجازات.
- الامتنان والتقدير بتوطيد الاتصال والتواصل ويمكن التعبير عنه بإبداء مشاعر الود والتكريم والرغبة في الصداقة.
- الامتنان برد الجميل أو الفعل، كأن يقوم الفرد بعمل ما بإخلاص وإتقان كرغبة في رد الجميل بشكل إيجابي.
- تنفيذ جلسات شكر وعرفان دورية لفريق العمل كل فترة بحيث يبدي كل فرد شكره لزميله عن موقف أو جهد أو عمل أو تعاون مع بيان السبب.
- تخصيص لوحة أو ركن للشكر والعرفان، والاعلان فيه الشكر والامتنان للموظف عن أداءات أو مواقف مميزة.
- إرسال ونشر عبارات الثناء والشكر عبر البريد الالكتروني او مواقع التواصل الاجتماعي.
- الاحتفال بالنجاحات التي يحققها الأفراد أو الفريق.
- إرساء مبدأ التلطف في المراسلات البينية بين الموظفين عبر وسائل التواصل المختلفة.
- التعرف على الاهتمامات الشخصية للموظفين ومشاركتهم لحظاتهم ومناسباتهم الشخصية كحفلات الزواج وأعياد الميلاد أو التخرج.
دائمًا ما يكون هناك شيئًا يستحق الشكر والامتنان، إن لدى كل فرد إنجازاته وما يميزه وما يمكن أن يكون محل ثناء وإعجاب واحتفال، علينا فقط التأمل، وإمعان النظر بكلتا العينين (الإنسانية قبل المادية)، والمبادرة بإلقاء كلمة الشكر والثناء. صحيح أن الإدارة في المحصلة تُحكم من خلال أرقام ومقاييس، غير أن القائد / المدير الذكي هو من يستطيع تحويل المشاعر والعواطف الإنسانية إلى مؤشرات رقمية عالية من رضا الموظف وشعوره بالامتنان والسعادة.
د.عبدالعزيز القدسي
مدرس إدارة الأعمال والسلوك التنظيمي
مراجع:
Smith, J. A. (2013). Five ways to cultivate gratitude at work. Greater Good Magazine.
Unanue, J., Oriol, X., Oyanedel, J. C., Rubio, A., & Unanue, W. (2021). Gratitude at work prospectively predicts lower workplace materialism: A three-wave longitudinal study in Chile. International Journal of Environmental Research and Public Health, 18(7), 3787.
________________________________________
حقوق الفكر والنشر محفوظة، لا يسمح بالنسخ والنقل دون إذن. يمكن مشاركة المحتوى مباشرةً من الصفحات والحسابات الخاصة بالمؤلف.
________________________________________
تعليقات
- لاتعليقات حتى اللحظة
كلمات ملهمة
بودكاست إدارة بوست
المتواجدون حالياً
70 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
شارك بتعليق - رأيك بالمقال